الجمعة، أبريل 13، 2012

" أمطتُ الستار "


" أمطتُ الستار "
ذات عصر في نيسان الصادق كنت ابحلق عينيَ الى الزحام في قهوة اضوائها خافتة ، وخيوط الشمس تتسلل بخفة من خلف حائطها الزجاجي الذي يعد احدى واجاهاتها ، كنت أشحذُ رائحة القهوة من فاطمة و علي و الأستاذ وليد لأنني لم اجرؤ قط على تناولها مخافة ان يحترق لساني الذي يساعدني في الثرثرة التي امتهنها ، فما أنا الا فتاةٌ تستوي مع كل التائهين في هذه الأرض! وكل شاردات الدنيا تجتذبها ، لا عليكم ,, كعادتي اعددت مقالاً مترفاً بالرمزية وختمته بفتات امنيات علني اهون مصابي عليّ . كنت اهز قدمي من اسفل الطاولة وانتظر رأيهم في الوقت الذي كان قلبي فيه بارداً كالصقيع! لم يكن يعنيني جداً ان كلماتي مترهلة ومعناة! كل ما كنت اسمعه مواء ! صوت القطة التي تبكي في الزواية الصغيرة في بيتنا القديم وهجوم عدنان عليها بشراسة ونبضات قلبي المتسارعة وانا اختلس النظر اليه ممسكاً بسكين ، ضاحكاً بسخرية ،  اللعنة يبدوا ان اللحظة كانت ماتعةً اليّ ايضاً لانني تصلبتُ خلف ذلك الجدار احمل في يدي قلم لا أكف النقر على رأسه ليصدر صوتاً مهدئاً لتشجني المستمر ، آه ذلك القلم شهد الجريمة معي ، كان علي ان ازرعه في يد عدنان او في عنقه لكنني وهو ربضنا الصمت والبحلقة! قطع تفكيري صوت النادلة وهي تسألني عن ما اريد تناوله :
لم أكن لاقاوم رائحة القهوة لكنني ما كنت لاغامر فأدلفت قائلة : قهوة باردة مع الكراميل والكريما البيضاء!!
كان علي يحدق الي باستغراب لا افهمه ، كان يحاصرني بتلصصه عليَ دون ادنى اعتبار للخصوصية التي صنعتها حول نفسي! ونطق بعد فترة من التأمل : أمل من الافضل ان تشربي شيئاً ساخناً فهو الشتاء !
ماذا يعني الشتاء وفي جوفي نار تحتدم يا علي ! كاذبة كنت كاذبة لم اقل هذا .. ابتسمت ورددتُ عليه : اشعر بوعكة صحية ويلزم ان اتناول شراباً بارداً .. اكذب للمرة الألف ، لما لم اقل انني جبانة وانتهى الامر ، لما اصر دوماً على ان اكون غيري ! عاد علي ليحلل جماليات مقالي وحماقاته في الوقت الذي عدتُ فيه الى القطة المغتصبة ، كان عدنان يكبرني ب3 سنين وكانت جثته طائلة كالابرج أمام انكفأي على نفسي والتصاقي بالأرض ، قال : حان وقتك ايتها الطيبة لن اترك في الارض قطة ! انتِ الاولى فقط ! علمتُ انه سيقتلها لكنني كنت ادرك ان العلماء أحبالهم الصوتيه ناحلة لا يمكن ان تسمع صراخهم ،  انهم يلاحظون فقط! وتلك نرجسيةٌ اذهلت بها نفسي سنين عجاف ! صمتُ حتى بدأت المجزرة ، التقطُ انفاسي مع كل طعنة سكين ، انه يدنس جلدها بمشرطه ، بدأ يفقأ عينيها ، الدماء تسيل ، وادٍ أحمر كان قد تشكل في مكان الجريمة ، كان يقترب مني ، وانا ابلع ريقي وانتظر نهاية هذا الفيلم القذر . ضحكةٌ كالزلزال ارتجفت لها حويصلات رئتاي ! ، حينها قررتُ ان اكتب لكي ادافع عن باقي قطط الأرض لكي اكفر عن ذلك الاثم الذي يأسرني بامتعاض شديد ، لكي تبقى اغنية المواء الآسرة ، لكي لا تأكلنا الجرذان !
قاطعني الحضور من حول الطاولة بنداء فاطمة : أمل ، أمل
انتبهت لهم  بعد ان تهكم لوني وتجعد حاجباي ..: اهلاً ، عذراً يبدوا انني مريضة حقاً واحتاج لوقت من الراحة !
الجميع : سلامات .
بدأت فاطمة : اعجبني المقال رغم انني بدأت اكره السياسة التي تسرق امل من التجني على اولئك الذين يقتحمون حياتنا لتصبح رمادية! كما تدعين ،  ، أمل رمزيتك مفرطة ! ولا اقرأ في ذلك الا جبناً مستمراً عن الولوج الى النور ، وكأنما تختبئين ورائها ! لان انفجارك سيكلفك تعرية افكارك الصاخبة كما اشعر، ! يلزم ان تتركي الخجل جانباً .. اريد ان اقرأ امل بلا حياء على الورق ، اتوق بشدة لرؤية ما ستكون الأفكار السافرة التي ستنزفينها ! ارجوك افعلي .. عنوان المقالة يبدوا جذاباً . هممم أنا صديقة ابليس ! همم لا اظنه سيفوتني ان لمحته في جريدة الصباح..!ذلك كل شيء رغم انني ما زلت اصر على ان لا تتمردي في كل مرة على الترقيم ! اوووه اعلم اي رد سأجدُ الآن..
ضحكت بخفة وانا اقول بالتزامن مع حركة الرأس التي تعني الاعادة المستمرة للشيء : لست ادري ما اكون همزة وصل او قطع! أحمل على رأسي احجية ولغزا ومعادلة متغيرها (س) لم اكشف عنه بعد ربما يكون صفراَ . النقطة نهاية ! ولم اصادفها بعد كل غاية تسرقني لغاية اخرى ، كما قال الفيلسوف الضروريات تأخذني الى الكماليات فلا أدري متى سيتوقف الأمر وكيف ينتهي ، الفاصلة تلك التي لا اجد لها مساحة! فالأفكار تتضارب والحب حق من حقوق كل حيثيات الكون! حتى الجمل دعوها تنعجن ببعضها البعض ، لما تصرون على طلاقها ! ياااه ما اكثر غيرتكم وحسدكم ! اشتهي علامة التعجب ، فالدهشة من كل شي تغمرني لذا ساكون كريمة بها الى حد كرهها .. والاستفهام أخجل من اثارته لأن مجتماتنا لا تحبذ اشعال نار الفكرة ! تريدها مخمدة ! ما زلت صغيرة على النفي من هذه البلاد ! لذا ارجوك بعد هذا الموشح كفي عن التحرش بتمردي على هذه النمطيات المتعجرفة ..
ضحكت فاطمة وقالت : يا الهي من اي مريخٍ انتِ يا مشاغبة ..
علي كان يبدوا معجباً بما سمع ، ابتسم لي بقوة وانا التقطت انفاسي للمرة المليون وقال : انتِ جميلة ، حرفك كالسهم يصيب قلب من قرأه ، قريبٌ هو الى حدٍ مهيب وبعيدةٌ انتِ كل البعد! فأي مفارقة تلك التي قذفتك الى هذا العالم !
تنفس الصعداء وواصل : ارسليه للنشر ! وسأكون سعيداً بابتياع 10 نسخ لصحيفة تحمل هذا العمق! هذا الذي يوحي لك ان كاتبه غريق في بحرٍ ليس مالحاً !
أنهى علي حديثه ،  ونقلت نظري الى ذلك الصامت والمنكفئ على الورقة بنهم ، استاذ وليد لمن لم يعرفه هو ضليع في اللغة ، كاتب في صومعة ما لم يخرج حتى الآن ! لؤلؤة في بطن صدفة الأدب ، اشعر بالخجل حين يبدأ في تناول تفاصيل ما اكتب كما اشعر بالخوف لغلظته في النقد ! كان يبدوا واجماً فعلمت حينها انه ما من سبيل للخلاص ! وان الرجل ذو القناع  والملاءة المنقطة أوشك ان يسحب الكرسي من اسفل قدمي ليعلن الجندي ان القصاص قد تم وانه قد قضيت نحبي !
فتحتُ عيناي الى اقصى درجة وسميتُ بالله وبدأت انفاسي تتسارع ، تناول قهوته ، شربها وكأنه يستفزني بذلك ، اردف يقول : كل ذلك هراء.
-          - هراء ؟!!
-         -  بعينه ...  الا تخجلين من نفسك أمل ؟! من العيب ان تغرقي في البحر ومن ظن هذا الفعل حسنة يا علي فهو مخطئ بل يشارك في ذنب من غرق ! لابد وان نطفو أمل هل تفهمي ما يعني ان تكوني كالفلك الذي يسير كريشة على الماء! الماء الذي ادرك انه الوحيد الذي يشبهك !!
-         -  انا لا افهمك؟
-          - كفي عن  الهرب ! كفي عن المرواغة ! حبذا لو تواجهينني كما افعل الآن !
-          - ماهو الذنب الذي اقترفت ؟ جلعتني اتوجس الاثم استاذي !
-         -  ان حرفك اكبر الخطايا يا أمل ! ارجوك اكتبي بشجاعة ! اكتبي رواية ، اكتبي هرطقة كما يحلو لك تسميتها ، ولتنزعي هذا الغلاف الفقير الذي تلفين به بضع شذرات في شكل مقال!
-         -  من انا لأكتب؟! لا املك شيئاً مهماً يستحق المشاركة
-         - بل انتِ تملكين رتق القلوب وقتلها في آن !
-         - الدواء والسلاح لا يمكن الا ان يكونا في حقيبة ظهر جندي هاجر الى اقليم بعيد رغبة في اتمام المهمة ! صدقني لست تلك الجندية التي تعتقد
-         - لما تصرين على الدوران بزاوية 360 لتعودي لذات النقطة ! اي مشروب طاقة سيجعلك ثائرة على تلك الدائرة امل ! دليني عليه لأنني سئمت خوفك هذا !
- قتلني ، ارداني الى تعذيب الضمير الذي لم يهجرني كزوج مخلص لزوجه ، الى الارق الذي لا يزول الا بحبوب الاكتئاب ، الى رائحة القطة النتنة التي ما تجرات لأدفنها حتى ..الى الوعد الذي نكثته يوم خفت من عدنان ولم أتجرأ في ان انشر ما كتبت ! وحرقتُ وجعي بالنار ودفنت قلمي الشاهد الآخر بقرب مجارير الحارة ليلقى حتفه دون رحمة ! لأن قطط العالم كانت تموت وتموت وانا كنت التحف شرشف الصلاة ولا اصلي !
-          - سأكتبُ لقطط العالم أستاذي !
كان الكل ينظر الى باستغراب يحملون في افواههم مئات الاسئلة ! لكنهم لزموا قتلها قبل ان اجن !
-         -  سأمدُ حبلاً من مسد الى كل اولئك العالقين في منتصف الطريق وسأجد ترياقاً لعلاج قلوب القراصنة وقطاع الطرق لانني ادرك ان الخير هو سيد كل وريد يضخ الدم في هذا العالم !..
-          - لا تمنعي حرفك من ان يسعل ، دعيه يجهش بالزكام ان احب! ، لا تمنعيه من أن يصهل فالحياة عرسٌ كبير .

تركتُ القهوة وتركت اذنابي على ذلك الكرسي الذي شاركني تلك الانتفاضة الصغيرة ، وخرجت أجر مقدمتي فقط الى حيث استكين فأكتب في البدء رسائل لكل العاذلين ، واخلعُ لذلك جنح الأفكار ومشاربها ، سأخرقُ الاعراف والأنماط وسأكون شيئاً ما مدوياً لا اعرف شكله لكنني سأفعل ، لذلك الدم المتناهي في حمرته والذي اغدق عقر داري ! ان كنت الماء فسأزحفُ لأغسل ذنب القطط وانقضاء المواء ! ,,, بلا خجل انا امل أعلن اني سأكتب !!!!!!!!!
يصدق نيسان لانه الشهر الوحيد الذي تحمل مقدمته اقراراً وتوقيعاً منا على كذبنا المتفاقم ! 

: أمل عامر السعيدي ،، #أمل_عامر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق